د. محمد البلتاجي
1- لأنه ليس حزبًا ناشئًا أحتاج
إلى التعرف على مبادئه ومواقفه، أو أحتاج إلى معرفة ماضي رجالاته واختبار
عزمهم وصمودهم وموقفهم، على أنه امتداد لحركة الإخوان المسلمين التي عرفتها
وعاينتها بتاريخها الطويل في النضال الوطني وعايشت رجالاتها عن قرب في
الشدائد والمحن.
2- لأنه محاولة تطبيق لفكرة
إسلامية جامعة استهدفت منذ أكثر من ثمانين عامًا تجديد حال الأمة واستعادة
مجدها من خلال الفهم الصحيح والتطبيق الشامل للإسلام كفكرة إسلامية شاملة
تنظم مظاهر الحياة جميعا (عقيدة وعبادة- خلق وسلوك- دين ومنهاج- وطن وأمة-
دعوة وتربية- فرد وأسرة- مجتمع ومؤسسات- ثقافة وقانون- سياسة واقتصاد-
حكومة ودولة- جهاد ومقاومة لتحرير الأوطان)، هكذا بدأت الفكرة وهكذا استمرت
جيلاً وراء جيل دون تبديل ولا تغيير.
3- لأنه امتداد لتاريخ وبذل
وتضحية لأجيال قدمت مئات الشهداء وآلاف المعتقلين في سجون الطغاة، وتحملت
كل ألوان التقييد للحريات، والمصادرة للأموال، والفصل من الوظائف، والهجرة
من الأوطان دون أن تلين لهم قناة.
4- لأنه امتداد لفكرة إسلامية
وسطية حية معتدلة لم تستورد أفكارها من شرق أو غرب، ولم تنحرف نحو تشدد أو
غلو، ولم تلجأ إلى عنف أو استخدام قوة في التغير يومًا ولا قبلت بالعزلة
والانعزال ولا قبلت بالتغاضى عن المنكرات السياسية ولا تركت الجهاد والنضال
السياسي ضد الظلم والاستبداد، ولا سكتت عن قضايا الأمة في مختلف الأوطان
والبلدان.
5- لأنه امتداد لحركة لم تؤمن
يومًا بمنهج (دع ما لقيصر لقيصر)- ولا بسياسة (دع الملك للمالك)- ولا بمنهج
الرضا والسكوت عما هو قائم من فساد واستبداد على طريقة (أقام العباد فيما
أراد)، ولم تؤمن يومًا بأن الدين مكانه المسجد، وأن دور المسجد ينتهي
بإقامة الصلوات وعقد دروس العلم، ولم تساند يومًا في توظيف الدين لخدمة
السلطان؛ بل رأت أن الصلاح لا يغني عن الإصلاح، وأن أول الإصلاح إصلاح
الحكم، وأن سفينة المجتمع تغرق بمن فيها إذا سكت الناس عن الفساد ولو كانوا
صالحين.
6- لأنه ليس حزبًا جديدًا في
ساحة العمل السياسي والبرلماني، ولكن لديه أجيال وخبرات وكفاءات مارست
التجربة البرلمانية والسياسية بكل مُعاناتها؛ مما يؤهله للقيام بالواجب على
نحو أفضل في القادم.
7- لأن لديه (كمشروع سياسي) ثروة
بشرية ضخمة ومنظمة- داخل الحزب وداخل جماعة الإخوان المسلمين- ستتحمل معه
عبء الأمانة والمسئولية وستقدم له كل الدعم المادي والبشري والخبرات
والكفاءات المتخصصة في جميع المجالات.
8- لأن لديه (كتجربة سياسية)
فرصة كبيرة (من خلال الانتشارالخارجي الواسع للإخوان المسلمين) للاستفادة
من تجارب الأقطار الأخرى في كل نافع لوطننا ولتجربتنا المصرية المتفردة،
ولديه فرصة كبيرة لبناء شراكات سياسية وتوأمة مع تجارب إسلامية ديمقراطية
ناجحة في الفترة القادمة لصالح شعوب المنطقة العربية الإسلامية، ولقد آمن
الإخوان المسلمون طوال تجربتهم الطويلة بأنه لا تعارض ولا تقاطع بين
الدائرة الوطنية والدائرة القومية والدائرة الإسلامية التي يعملوا لها
جميعًا.
9- لأن لديه (كتيار سياسي) ثروة
بشرية مصرية في الخارج منظمة- منتمية للإخوان المسلمين- يمكنه أن يستعين
بها لتفعيل أدوار فاعلة للمصريين في الخارج ليستفيد منها الوطن.
10- لأننا نؤمن أن هذه المرحلة
من عمر الوطن تحتاج إلى التوافق الوطني بعيدًا عن الاستقطاب السياسي
والطائفي، وبعيدًا عن صناعة الأزمات للوطن والتعطيل لمسيرة الثورة وسنمد
أيدينا لكل الشرفاء من كل التيارات (نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا
بعضًا فيما اختلفنا فيه).
11- لأننا لم ولن نتخلى أو
نتراجع يومًا عن عقيدتنا الثابتة أن الإسلام هو الحل، وأن تطبيق الأفراد
والمجتمع والحكومة لتعاليم الإسلام الصحيحة هو السبيل لنهضة ورقى الأوطان،
ولكننا لن نقف عند مرحلة رفع الشعار، وإنما سنسعى إلى تقديم الحلول العملية
والمقترحات الإيجابية الواقعية لمشكلات المجتمع والدولة.
12- لأن مرجعية الشريعة
الإسلامية التي نحرص عليها كل الحرص ستبقى حافظًا لنا من الزيغ والضلال في
مواقفنا واجتهاداتنا.. نعم سنظل نجتهد فنصيب ونخطئ، لكن في إطار ثوابت
الشريعة الغراء التي لن نحيد عنها.
13- لأننا سنمد أيدينا لكل ذي
كفاءة وخبرة في كل علم وفن؛ لنستفيد منه، ولن تقتصر على مرجعياتنا السياسية
أو التنظيمية أو العلمية أو الفقهية التي نعتز باجتهاداتها في إطار الحركة
الإسلامية العالمية التي نتواصل معها لصالح الأمة جميعًا.
14- لأننا ندرك أننا بشر نصيب
ونخطئ فسنعترف بأخطائنا، وسنستفيد من كل نقد يوجه لنا لتطوير مسيرتنا
وتصحيح أدائنا، وسيكون لدينا من الشجاعة أن نعترف بالخطأ متى وقع منا
وبالجميل لصاحب التوجيه الحسن من غيرنا. وسنطبق من المؤسسية في قراراتنا ما
يصحح أخطاءنا ويقوِّم اعوجاجنا، وسنفتح للأجيال الجديدة طريقًا لنستفيد من
كل طاقاتها وإبداعاتها.
وبمناسبة هذا فمن الحق أن نعترف
أن لدينا أخطاء في المواقف والتصريحات والتقديرات في الفترة الماضية، نسأل
الله أن يغفرها لنا وألا نعود إلى مثلها.
15- لأننا حين سنقوم في الحزب
بأدوارنا السياسية والبرلمانية لبناء منظومة حكم رشيد، فلن يكون هذا بمعزل
عن أدوار مكملة لا غنى عنها لبناء المجتمع وحفظ تماسكه من خلال منظومات
وجهود مجتمعية ضخمة ستعمل في مجالات بناء الإنسان الصالح ودعم روابط الأسرة
والمجتمع ستقوم بها جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتعاونة
معها من خلال أعداد غفيرة متخصصة ستبقى تعمل في مجالات الدعوة والتربية
وتنشئة الأجيال والثقافة والتنمية البشرية والعمل الأهلي والخيري
والاجتماعي (التطوعي والتكافلي والخدمي).
16- لأن لدينا رصيدًا كبيرًا من
التعرض للظلم والقهر والسجن والبطش والحصار والإقصاء والتضييق الذي عانينا
منه كثيرًا على يد الأنظمة المتعاقبة، ومن ثم لن نسمح بتكراره وعودته لنا
مهما كلفنا من ثمن، ولن نقبله لغيرنا كذلك، وليس من السهل أن نستدرج نحن
للوقوع فيه، كما أن تجربتنا الطويلة مع المحن قد ورثت أجيالنا قدرًا كبيرًا
من التسامح مع الخصوم والتغاضي عن الماضي، والابتعاد عن نهج الانتقام
والثأر، وهي سمات لازمة لشراكات المستقبل ونجاحاته.
17- لأننا ناضلنا طويلاً ضد
النظام قبل الثورة، وشاركنا من اللحظة الأولى مع شركائنا في بداية الثورة،
وعشنا لحظات الثورة الحرجة، وشاركنا في إنقاذها ووقعنا في بعض الفخاخ
المنصوبة وتعلمنا من أخطائنا فيها؛ لذا سنبقى حريصين على حمايتها من
الكيانات الضارة بها ومن المؤامرات عليها ومن محاولات انحراف بوصلتها.
18- لأننا مورست ضدنا أكبر
محاولات التشويه والتعتيم والتضليل؛ لصرف الناس عنا ولحجبنا عنهم ولتخويفهم
منا، فاستمرت تلك المحاولات أعوامًا تحت تأثير القمع والقهر، ومن خلال
ماكينات الدعاية الجبارة ثم ثبت زيف هذه المحاولات، فلن تعد تجدي تكرار هذه
المحاولات ضدنا.
19- لأننا نموَّل من جيوب
أعضائنا في الحزب والجماعة، وهم كثيرون، ومحبونا وهم أكثر وأكرم، ويجودون
طواعية وبغير مطلب ولا مطمع ولا شروط لهم تفرض علينا، ومن ثم فنحن أغنياء
بهم، أحرار من كل ألوان الوصاية والخضوع للأجندات التمويلية.
20- لأننا نؤمن أن حساب الناس
على عقائدهم وعباداتهم هو عند الله في الآخرة لا الأولى، وأن الناس أحرار
في عقائدهم وعبادتهم، يختارونها ويمارسونها دون ضغوط ولا تضييق، ومن ثم فلا
توجد لدينا مشكلة أو حساسية مع إخواننا الأقباط شركاء الوطن، ولم نكن
يومًا طرفًا في مشكلات من هذا النوع، ومن ثم سنكون منفتحين دوما لشراكة
حقيقية تحفظ تماسك الوطن وتحول دون تفككه وتهديد وحدته، وليس لدينا أي رصيد
لتجارب سلبية في هذا الصدد سوى ربما تصريحات فردية (تحتاج إلى المراجعة
والتصحيح في غير تهاون فيما هو من ثوابت الدين وصحيحه). ومن ثم ربما نكون
أقدر من غيرنا على حل مشكلات من هذا النوع وتجنيب الوطن للأزمات، وسنفعل
هذا دون تفريط أو إفراط مما سيحافظ على ثقة المجتمع فينا وتعاونه معنا لحل
تلك الأزمات.
21- لأن لنا رصيدًا كبيرًا من
التجربة الطويلة عبر السنين وفي مختلف الأقطار ومن خلال نماذج متباينة
لكنها داخل إطار واحد تقريبًا، وقد تعرفت الأطراف الفاعلة في الداخل
والخارج على هذه التجربة الطويلة، ويستطيع الآخرون التعرف على تفاصيل
مواقفنا الحقيقية الموثقة- لا الإعلامية التشويهية- وسواء اتفقوا معنا أو
اختلفوا، وسواء توافقت هذه المعرفة مع مصالحهم أو تناقضت معها، فإن هذا
التعرف وهذه المعرفة يحققان قدرًا من الاستقرار وقدرًا من الطمأنة وقدرًا
من إمكانية قيام علاقات مستقرة نسبيًّا بقواعد تحقق تعايشًا مشتركًا ومصالح
للجميع على أسس واضحة معلومة غير غامضة.
هذه شهادتي.. أضعها أمام الجميع
حسبة لله وللوطن (وليس من أجل الحرية والعدالة ولا من أجل الإخوان
المسلمين)، ولهذه الأسباب التي ذكرتها اخترت "الحرية والعدالة" طريقًا في
هذه المرحلة، ولو وجدت هذه العوامل عند غيرهم أفضل وأكثر مما هي عندهم
لتركتهم إلى غيرهم، مع إيماني الكامل أن هذه الأسباب تلقي على الإخوان
المسلمين في هذا الوقت من المسئوليات والواجبات الجسام نحو الوطن والأمة ما
يجب أن يدفعهم إلى أداء يثبتوا به استحقاقهم لهذا الدور التاريخي، وأنهم
لو لم يقدموا جديدًا نافعًا يحقق للوطن والأمة ما يليق بهذه المسئولية
وبهذا الدور وما لم يحسن جيل الإخوان الحالي الاستثمار الجيد للرصيد الذي
وهبته لهم أجيالهم السابقة فلن يقف التاريخ معهم طويلاً؛ بل سيتجاوزهم إلى
غيرهم.
لم تعد القضية إذًا شعارات ترفع،
ولكن هناك امتحان حقيقي أسأل الله أن ينجح فيه الإخوان لصالح الوطن والأمة
(ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ
كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)) (يونس) (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ
عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
(129)) (الأعراف).
أسألك بالله أن تنشرها